حكمة : إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه.

يا ليت أمه لم تعلمه القراءة والكتابة!!

إن الحكم بتكفير أعين المسلمين لا يكون إلا بيقين ليس معه أي شبهة أو تأويل أو عذر أو سوء فهم ولو كان ما وقع فيه كفرا مخرجا من ملة الإسلام. فاليقين في إسلام أحد لا يزول إلا بيقين تام لا يعتريه أي شك. وما الحكم في رجل يقف في صف الكفار يحارب معهم وقتل وفعل في المسلمين الأفاعيل حتى إذا تمكن منه أسامة بن زيد، قال أشهد أن لا إله إلا الله، ومع أسامة رجل من الأنصار، فأمسك الأنصاري، فطعنه أسامة فقتله. فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، فقال: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه

وفي رواية: فدعاه فسأله، فقال: لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله ﷺ: أقتلته؟ قال: نعم. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فجعل لا يزيد على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة . رواه مسلم.

فكل الشواهد تؤكد أن الرجل ما قالها إلا خوفا من السلاح، ولو كان أحدنا لم يسمع بمثل هذا الحديث لحكم بذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل تلك الشواهد كلها ليزيل عنه الإيمان ولم يستحل دمه بكلمة قالها والسيف على رأسه.

وإن تكفير المسلم كقتله بل أشد، فلا يكفر عينه لمجرد أنه وقع في عمل من الأعمال التي تستوجب ذلك قطعا إلا إذا انتفت عنه كل الموانع التي تدفع التكفير عنه بلا أي شك، ولكن أحدهم لا يفقه ذلك وليس عنده ورع ولا خشية من أن تجيئ كلمة لا إله الا الله تطالبه بحقها يوم القيامة، فيذهب فلا يكفر مسلما بل يكفر عالما من علماء المسلمين مثل النووي لخطأ يراه له في مسألة لأن بعض السلف قالوا بكفر من يقول بها-إن افترضنا أن مثل النووي يقصد ما ظُنّ به أنه مخالف لقول السلف ولم يكن ذلك من سوء فهم لما قاله- فيُنزل ما قاله السلف على عين من وقع فيها. وإذا فعل ذلك بكل أحد من علماء المسلمين فإنه لا يسلم له أحد من علماء الأمة إلا من كان على مثل رأيه بالتمام، فأصبح هو في نفسه مقياسا لعلماء الأمة وهو نفسه قد يكون مجهول العلم والفضل إن لم يكن مطعونا فيه، ثم لا يَسلم له من المسلمين أحد إلا من هم على شاكلته ثم يعادي كل أحد غيرهم.

ذلك أن أحدهم تضخمت رأسه بأحكام التكفير التي قال بها السلف ولم يفقه أن إنزالها على أعين من شهد الشهادتين يحتاج إلى أن تنتفي عنه كل الموانع والشُبه والأعذار بيقين، ولا يحكم بذلك إلا الراسخون في العلم الثقات، ولا يكون ذلك إلا بإجماع منهم أو أغلبهم. أمّا أن يستهوي أحدهم تكفير من ثبت علمه وفضله لبعض النقول التي قرأها - دون فهم - عن السلف فيا ليت أمه لم تعلمه القراءة والكتابة!!!.