معاوية بن أبي سفيان بن حرب الأموي.
فتى قريش، وكسرى العرب، وملك المسلمين، وأمير المؤمنين.
.
*هذا الصحابي الجليل الذي كان على عقل ودراية وسياسة لو ذهبت تجمع مآثره فيها لعجبت أشد العجب، وإن بعض كلماته لتوزن بميزان من الذهب الخالص، وإنها لتكون أساسا في السياسة والحكم لا يستطيعها أساتذة الحكم والسياسة إلا في صفحات وكتب.
كان يسوس الناس بأخلاق وعقل فأقام فيها العدل والإسلام، ولم يُروى أن أحدا من الناس اشتكى منه لشخصه في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ساد الناس وانصاع الناس له وأطاعوه ووثق لكفايته مَن ولاّه.
كان معاوية من صحابة رسول الله مثالا حيا لحسن سياسة الأمم وحكم الشعوب وكان من أرفق الناس برعيته وأحلمه بهم، ومَثلا يسهل على من أتى من بعدهم من الأمراء والملوك أن يقتدوا به ويفهموا عنه كيف تُساس الأمور، وتُعامل الرعية على خلاف أشكالها وطبائعها المتنافرة، وكيف يقام العدل فيهم ويُحكم بالإسلام.
لقد كان من السهل على من أتى من بعدهم من الأمراء والملوك الاقتداء بهم، فإن ترْك الدنيا ترك أبي بكر وعمر فضل كبير وليس بفرض واجب، ولكننا ظللنا نحلم بأن يرجعا في صورة شخص آخر، ولو أننا طلبنا منهم أن يكونوا على سيرة معاوية لكان أرفق بهم وأسهل لعقولهم أن يعوا كلمات هذا الرجل في السياسة والحكم بأخلاق الاسلام.
ولعل الله قد جعل لنا هذا الصحابي الجليل قدوة لنا في هذا الأمر ونحن لم نشعر. وإني على يقين أنه لو جُمع أعظم مائة في الحكم وسياسة الشعوب من الملوك والأمراء لكان الرجل بلا شك على رؤوسهم.
.
* أما عن فضله فقد ائتمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته على أعظم شيء، الوحي، وهو صهره وخال المؤمنين.
* ومن غُرَرِ فضائِلهِ رضيَ اللهُ عنه ما رواهُ أحمدُ في (مُسندِهِ)، والتِّرمذيُّ في (سُننِهِ) أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا لَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلَه هَادِيًا مَهْدِيًّا، واهْدِ بِهِ» (مسند أحمد-ج29-ص426-حديث رقم17895) و (التِّرْمِذِيُّ-ج6-ص157-حديث رقم3842)
* ومِنْهَا: ما رواهُ أحمدُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال في حقِّ مُعَاوِيَةَ: ««اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الكِتَابَ، والحِسَابَ، وقِهِ العَذَابَ.» (مسند أحمد-ج28-ص382-حديث رقم17152)
* قِيْلَ للإمامِ أحمد: هل يُقاسُ بأصحابِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ؟
قال: مَعَاذَ اللهِ.
قِيْلَ: فَمُعَاوِيَةُ أفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ؟
قال: أيْ لَعَمْرِي، قال النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي«.
* عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
«لله در ابن هند ما أكرم حسبه، وأكرم مقدرته، ووالله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ضناً منه بأحسابنا وحسبه»
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى من بعده»
-
*** كان رضي الله عنه سياسيا بارعا وداهية من الدهاة...
عن ابن عمر قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسود من معاوية.
قلت: هو كان أسود من أبي بكر؟ قال: أبو بكر كان خيراً منه، وكان هو أسود منه. قلت: فهو كان أسود من عمر؟ قال: عمر والله كان خيراً منه، وكان هو أسود منه. قلت: هو كان أسود من عثمان؟ قال: رحمة الله على عثمان، كان خيراً منه وهو أسود من عثمان.
.
* فقد كان رضي الله عنه ذا حنكة ودهاء مع سياسة وحلم حتى لم يدع خصما له إلا استماله بحلمه وخلقه وفقهه حتى بسط سؤدده على الجميع بما فيه خصومه واستمالهم إليه حتى رضوا به. وقد فاق في هذا القدرة كل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، شهد بذلك عبدالله بن عمر نفسه.
.
* قال عمر بن الخطاب:
«تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية!»
* قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ثنا المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية.
-قال: فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه.
-فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟
-قال قلت: ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له.
-فقال لتكلمني بذات نفسك.
-قال: فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به.
-فقال: لا تبرأ من الذنوب؛ فهل لك من الذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك؟
-قال: قلت نعم إن لي ذنوبا إن لم يغفرها هلكتُ بسببها.
-قال: فما الذي يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة منى؟، فوالله لِمَا إليّ من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود، والإصلاح بين الناس، والجهاد في سبيل الله، والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما تذكر من العيوب والذنوب، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات، والله على ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه.
ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني. قال: فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير، وقد رواه شعيب عن الزهري عن عروة عن المسور بنحوه.
.
*قال هشام بن عمار: كان لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أرض، وكان له فيها عبيد يعملون فيها، وإلى جانبها أرض لمعاوية وفيها أيضاً عبيد يعملون فيها، فدخل عبيد معاوية في أرض عبد الله بن الزبير، فكتب عبد الله كتاباً إلى معاوية يقول له فيه:
-أما بعد، يا معاوية، إن عبيدك قد دخلوا في أرضي، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن، والسلام.
-فلما وقف معاوية على كتابه، وقرأه دفعه إلى ولده يزيد، فلما قرأه قال له معاوية: يا بني ما ترى؟
-قال: أرى أن تبعث إليه جيشاً يكون أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه.
-فقال: بل غير ذلك خير منه يا بني، ثم أخذ ورقة وكتب فيها جواب كتاب عبد الله بن الزبير، يقول فيه:
أما بعد، فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله ، وساءني ما ساءه، والدنيا بأسرها هينة عندي في جنب رضاه، نزلت عن أرضي لك فأضفها إلى أرضك بما فيها من العبيد والأموال والسلام.
-فلما وقف عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على كتاب معاوية رضي الله عنه، كتب إليه:
قد وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، ولا أعدمه الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام.
-فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله بن الزبير، وقرأه رمى به إلى ابنه يزيد، فلما قرأه تهلل وجهه، وأسفر، فقال له أبوه:
يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب، فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء، فداوه بمثل هذا الدواء.
.
* قال عبد الله بن الزبير:
* «لله در ابن هند إن كنا لنفرقه، وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه، وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتعنا به ما دام في هذا الجبل حجر، وأشار إلى أبى قبيس.»
.
* قال زياد: ما غلبني مُعاويةُ في السياسة إِلاَّ في أمر واحد. استعملت رجلا من بني تميم فكسر الخراج ولحق بمعاوية. فكتبت إليه: إِنَّ هذا أدب سوء، فابعث به إِليَّ.
-فكتب معاوية إليه يقول:
إنه لا ينبغي أن يسوس الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا، ولا بالشدة فيحمل الناس على المهالك، ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة، وأنا للين والألفة والرحمة، حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل منه.
.
* ذكر بشر بن أرطاة عليّاً كرم الله وجهه فنال منه، فضربه زيد بن عمر بن الخطاب -وأمه ابنة عليّ بن أبي طالب- على رأسه بعصا فشجّه.
فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى زيد بن عُمر: أو تدري ما صنعت؟ وثبتَ على بشر بن أرطأة وهو شيخ أهل الشام فضربت رأسه بعصا، لقد أتيت عظيما.
ثم بعث إلى بشر فقال: أتدري ما صنعت؟ وثبت على ابن الفاروق وابن عليّ بن أبي طالب تسبّه وسط الناس وتزدريه، أتراه يصبر على ذلك، ولقد أتيت عظيماً. ثم بعث إلى هذا بشيء وإلى هذا بشيء.
.
* قال الليث حدثني علوان بن صالح بن كيسان أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه، فلقيه الحسن والحسين ورجال من قريش، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه انصرفوا إلى منازلكم فان لي حاجة في هذه الدار فانصرفوا، ودخل فسكّن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف، وقال لها:
يا ابنة أخي: إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا، فان أعطيناهم غير ما اشتروا منا شعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته، فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندرى أتكون لنا الدائرة أم علينا، وأن تكوني ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكوني أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف انا لك بعد أبيك.
.
ومن كلامه وأشهر ما قيل في سياسة الناس والرعية قوله:
إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي، حيث يكفيني لساني.
وقال أيضا: ولو أن بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت. قيل له: كيف ذلك؟ قال: إن جذبوها أرخيتها وان أرخوها مددتها.
-
***وكان معاوية رضي الله عنه من أشهر ما عرف بالحلم، وله فيه أخبار مشهورة وآثار مذكورة،...
وكان يقول: إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي.
* ويقول أيضا: العقل والحلم والعلم أفضل ما أعطي العبد، فإذا ذُكِّر ذَكَر، وإذا أُعطي شكر، وإذا اُبتلي صبر، وإذا غضب كظم، وإذا قدر غفر، وإذا أساء استغفر، وإذا وعد أنجز.
* رُوي أن رجلاً أسمع معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له: لو سطوت عليه؟
-فقال: إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي.
.
* قال الشعبي والأصمعي:
جرى بين رجل يقال له أبو الجهل وبين معاوية كلام، فتكلم أبو جهل بكلام فيه غمز لمعاوية?
فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال:
يا أبا الجهل إياك والسلطان، فانه يغضب غضب الصبيان، ويأخذ أخذ الأسد، وإن قليله يغلب كثير الناس،
ثم أمر معاوية لأبى الجهل بمال.
فقال أبو الجهل في ذلك يمدح معاوية:
* نميل على جوانبه كأنّا *** نميل إذا نميل على أبينا.
.
* قال ابن عباس: ما رأيت أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رحب، ولم يكن كالضيق الحصر.
_
***أما عن مروءته فقد أتى منها بما يحسده عليها أصحاب المروءات:
* ذكروا عند معاوية امرأة من أهل الكوفة تسمى الزرقاء بنت علي كانت تتعمد الوقوف بين الصفوف يوم صفين وترفع صوتها صارخة: يا أصحاب علي، تسمعهم كلاماً كالصوارم، مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل، والمدبر لقابل، والمسلّم لحارب، والفار لكر، والمتزلزل لاستقر.
- فقال لهم معاوية: رضي الله عنه: أيكم يحفظ كلامها؟
-فقالوا: كلنا نحفظه،
-قال: فما تشيرون علي فيها؟
-قالوا: نشير بقتلها، فإنها أهل لذلك.
-فقال لهم معاوية رضي الله عنه: بئسما أشرتم، وقبحاً لما قلتم. أيحسن أن يشتهر عني أنني بعدما ظفرت وقدرت قتلت امرأة قد وفت لصاحبها، إني إذاً للئيم، لا والله لا فعلت ذلك أبداً.
ثم دعا بكاتبه فكتب كتاباً إلى واليه بالكوفة أن أنفذ إليَّ الزرقاء بنت علي مع نفر من عشيرتها وفرسان من قومها، ومهد لها وطاء ليناً ومركباً ذلولاً.
-فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها وقرأ عليها، فقالت بعد قراءة الكتاب: ما أنا بزائغة عن الطاعة، فحملها في هودج، وجعل غشاءه خزاً مبطناً، ثم أحسن صحبتها.
-فلما قدمت على معاوية قال لها: مرحباً وأهلاً خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك يا خالة، وكيف رأيت سيرك؟
-قالت: خير مسير.
-قال: هل تعلمين لم بعثت إليك؟
- قالت: لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.
-قال: ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرضين على القتال؟
-قالت: نعم.
-قال: فما حملك على ذلك؟
-قالت: يا أمير المؤمنين إنه قد مات الرأس وبتر الذنب، والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
- فقال: صدقت، فهل تعرفين كلامك، وتحفظين ما قلت؟ قالت: لا والله.
-قال: لله أبوك، فلقد سمعتك تقولين: أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس، وإن الكواكب لا تضيء مع القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه أن الحق كان يطلب ضالة فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، فكأنكم وقد التأم شمل الشتات، وظهرت كلمة العدل وغلب الحق باطله، فإنه لا يستوي المحق والمبطل، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون، فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا وأن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأمور عاقبة، ائتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده. يا زرقاء. أليس هذا قولك وتحريضك؟
-قالت: لقد كان ذلك.
-قال: لقد شاركت علياً في كل دم سفكه.
-فقالت: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام سلامتك. مثلك من يبشر بخير ويسر جليسه.
-فقال معاوية: أوقد سرك ذلك؟
-قالت: نعم، والله لقد سرني قولك وأنى لي بتصديقه.
-فقال لها معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إلي من حبكم له في حياته، فاذكري حوائجك تقض.
-فقالت: يا أمير المؤمنين إني آليت على نفسي أن لا أسأل أحداً بعد علي حاجة.
-فقال: قد أشار عليَّ بعض من عرفك بقتلك.
-فقالت: لؤم من المشير، ولو أطعته لشاركته.
-قال: كلا بل نعفو عنك ونحسن إليك ونرعاك.
-فقالت: يا أمير المؤمنين كرم منك، ومثلك من قدر فعفا، وتجاوز عمن أساء وأعطى من غير مسألة.
-قال: فأعطاها كسوة ودراهم، وأقطعها ضيعة تغل كل سنة عشرة آلاف درهم، وأعادها إلى وطنها سالمة، وكتب إلى والي الكوفة بالوصية بها وبعشيرتها.
_
***أما عن أخلاقه وعظيم شمائله فقد كان ودودا لينا ومن أحسن الناس أخلاقا:
* كتب معاوية إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه يعتذر إليه من شيء جرى بينهما، يقول: من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب. أما بعد، يا بني عبد المطلب، فأنتم والله فروع قصي، ولباب عبد مناف، وصفوة هاشم، فأين أخلاقكم الراسية وعقولكم الكاسية؟ وقد والله أساء أمير المؤمنين ما كان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن يغيب في الثرى.
- فكتب إليه عقيل يقول:
صدقت وقلت حقا غير أني ... أرى أن لا أراك ولا تراني
ولست أقول سوءاً في صديقي ... ولكنني أصد إذا جفاني
-فركب إليه معاوية رضي الله عنه، وناشده في الصفح عنه، واستعطفه حتى رجع!!.
.
* قال معاوية: يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني، وأثور به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرما. وقال: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم.
.
* قيل: وفد زياد بن عبد الله على معاوية فقال له: أقرأت القرآن؟ قال: نعم.
-قال: أقرضت القريض. قال: نعم.
-قال: أرويت الشعر؟ قال: لا.
-فكتب إلى عبد الله أبا زياد، بارك الله لك في ابنك فأروه الشعر، فقد وجدته كاملاً، وإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ارووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق، ويقي مساويها، وتعلموا الأنساب فرب رحم مجهولة قد وصفت بعريان النسب، وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر، ولقد هممت بالهرب يوم صفين، فما ثبتني إلا قول القائل:
أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي.
.
* قال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال: قال معاوية:
يا أيها الناس ما أنا بخيركم، وإن منكم لمن هو خير منى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغيرهما من الأفاضل، ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية، وأنكاكم في عدوكم، وأدركم حلبا.
.
* وقال ابن أبى الدنيا حدثني هارون بن سفيان عن عبد الله السهمي حدثني ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أنه قال: أيها الناس إن من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدى خير منى، وإنما يليكم من هو شر منى، كما كان من وليكم قبلي خيرا منى.
_
***لما حضرته الوفاة رضي الله عنه قال لمن حوله: أجلسوني فأجلسوه..
فجلس يذكر الله..، ثم بكى.. وقال: الآن يا معاوية.. جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام..، أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان؟!
ثم بكى وقال: يا رب، يا رب، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي.. اللهم أقل العثرة واغفر الزلة.. وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك.
.
* قال صفوان بن عمرو: وقف عبد الملك، بقبر معاوية فوقف عليه فترحم، فقال رجل: قبر من هذا؟
فقال: قبر رجل كان والله فيما علمته ينطق عن علم، ويسكت عن حلم، إذا أعطى أغنى، وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخّره لغيره ممن بعده، هذا قبر أبي عبد الرحمن معاوية.
.
* قال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي: معاوية ستر لأصحاب محمد فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.
* عن أبي إسحاق قال:
(كان معاوية؛ وما رأينا بعده مثله).